أكتشف بنفسك : الصفحة الرئيسية > توثيق > تربوي > > توضيح للمبادئ العشر
وثيقة تربوية : خطوات البحث
توضيح للمبادئ العشر
٠١/١١/٢٠٠٠
تاريخ النشر : 
 
 

علوم للجميع وفي متناول الجميع
يود مشروع "اكتشف بنفسك" إنعاش التدريس العلمي الذي غالبا ما ينحى جانبا في فصول الصف الابتدائي ونادرا ما يدرس في صورة تجارب علمية. في حين أن السماح لجميع الأطفال باكتساب ثقافة علمية أولية وفقا لمنهج تجريبي يحترم الطبيعة الخاصة لهذه العلوم، هو في الواقع إمداد هؤلاء بمفاتيح تساعدهم على حسن معرفة وفهم العالم الحديث. هو إعادة تأسيس المدرسة الديمقراطية في إطار مشروع عالمي كبير.

إجراء التجارب والتحريات
يحاول برنامج "اكتشف بنفسك" دفع الأطفال إلى القيام بالأنشطة إلى أقصى درجة أنشطة بمعنى قيامهم بإجراء التجارب بأنفسهم، وبمعنى أن يقوموا بالتفكير فيها وبتحضيرها. بالطبع يكون من المهم نقل ممارسة العلوم كأنشطة وتساؤلات وتحريات وتجارب وليس مجرد نتائج مجمدة تحفظ عن ظهر قلب. ولكن يكون من المهم أيضا أن يتم التفكير والتحضير ذهنيا بواسطة اللغة فيما يتم عمله في التجارب. ويشرع في القيام بتحريات عن الأشياء موضوع الدراسة. فيقوم الأطفال بالمشاهدة وبالتساؤل وبوضع المسألة ثم بالقيام بالتجارب من أجل حلها. وفي نفس الوقت الذي تتم فيه عملية بحثهم عن تفسيرات حقيقية للظاهرة، يتعلمون كيف تبني المعلومات وكيف يتم تفعيلها، مما يؤسس قيمتها ويجنبهم إغراء الجزمية.
ويعتبر كراس التجارب هو مفتاح المنهج التربوي الخاص بتلك التحريات: يقوم فيه التلميذ بالتعبير بكلماته ورسوماته الخاصة عن ماذا يدور حوله وعن تفسيره له. فيتعلم بذلك أن يفكر فيما يفعل وفيما يرى.
ومن تحرٍّ إلى آخر، على مدار مدة الدراسة يتحدد مسار علمي أولي هو مجموعة متماسكة من النظريات العلمية تبنى في الاستمرارية، في التدرج.
اللغة والمواطنة
يرجع سبب محاولتنا لتدريس علوم الطبيعة أولا إلى ضرورة تأهيل الشباب علميا. ومع ذلك فهذا التدريس يحمل في نفس الوقف مجازفات تربوية تتعدى القيام بتدريسها، مما يعطيه تلك القيمة التي لا يمكن استبدالها. ويقترح مشروع "المشاركة الفعلية" تشجيع تمكن أكبر من اللغة سواء في الحديث أو القراءة أو الكتابة وذلك من خلال ممارسات عملية الاستدلال وإقامة الحجج التي تساعد على اتخاذ مواقف موضوعية وفي الوقت نفسه تساعد الأطفال على اكتشاف أنفسهم كمواضيع حديث ومعرفة. ويقوم برنامج "اكتشف بنفسك"، بتعليم الأطفال المناقشة والجدل فيما بينهم لحل مشكلة، بتشجيع ظهور مواطنة بناءة.

علوم للجميع وفي متناول الجميع

إنعاش طريقة تدريس متروكة
يهدف مشروع "اكتشف بنفسك" إلى إحياء تدريس العلوم التجريبية في المدرسة الابتدائية. وهو في الواقع، غالبا ما يتم تركه تحت تأثير عوامل عدة. فالذي يحدث غالبا (ليس دائما ولكن غالبا) هو النتيجة غير المتعمدة للرغبة الشرعية تماما في محو الأمية تحت تأثير الرأي العام. وبدافع حرصهم على مقاومة الفشل المدرسي، يقوم المدرسون بتركيز جهودهم على التعليم الأدبي مثلا للقراءة والكتابة والعد على حساب التعليم الثقافي الذي يقترض أن تقوم به المدرسة بعد ذلك بعد أن يكون قد تم إرساء الأساس. ولكن يبقى أن نعرف هل يتم اكتساب هذه الأدوات بعيدا تماما عن أي تعليم ثقافي … فقط بعض مواضيع الدراسة يتم تناولها من خلال عملية بحث واستكشاف ولكن بدون عملية بناء منهجية، تدريجية ومستمرة. وأكثر من ذلك، عندما يتم تخصيص وقتت للعلوم، غالبا ابتداء من فصل الثالث الابتدائي  CE٢، وخاصة في علم الأحياء، نادرا ما يتم تلقين هذا التدريس في صورة أنشطة ثقافية تقوم عل التجربة والتفكير.

نحن نود إنعاش هذا التدريس: لا إعادة تأليفه أو إصلاحه. فإنعاشه هو في الوقت نفسه إعادة تأسيسه. ونحن نريد الارتكاز على الشبكات والموارد الموجودة التي دلتنا على الطريق بحيث يتمكن تنمية ما هو موجود أصلا ومساندة المحاولات الناجحة وتشجيع الأقل نجاحًا.

مد تقليد تربوي نشط
يظهر برنامج "اكتشف بنفسك" في صورة "برنامج تربوي نشط" حيث يتم التعلم من خلال العمل والمناقشة والاستنباط. وذلك يدرجه في النظام التربوي الذي يدعو إلى إيقاظ انتباه الطفل ويرى أنه لكي يتعلم الطفل لا يمكنه تفادي مرحلة "أن يقوم بالعمل على الطبيعة" حجما ووقتا في مواقف يتم تحضيرها أو مواقف مركبة من الحياة اليومية. فالأطفال يحاولون تفسير ظواهر بسيطة يمكنهم إدراكها؛ هذه الظواهر هي تلك التي تقدمها الحياة اليومية لتجاربهم العادية: غليان الماء، الثلج على زجاج النافذة، مصباح كهربائي يضاء.
فبرنامج "اكتشف بنفسك" يصبو إلى تجميع الطاقات أكثر من أن يبدو في صورة طريقة تربوية جديدة. ويعتبر تنشيط هذا النوع من التعليم هو الرجوع إلى الدافع الذي أرشد ثلاثين سنة من الإصلاحات والتجارب المختلفة ومده. وهو أيضا إعادة تأسيس التعليم العلمي في مفهوم شامل للمدرسة الديمقراطية التي تستفيد من ثلاثين عاما من التفكير التربوي عن طرق التعليم الأساسية.
إلا أنه عمليا لا تحترم هذه البرامج. ويبدو أنها تفسر كالآتي: بما أن تدريس العلوم سوف يعاد تناوله من الصفر في المرحلة الثانوية، فيمكن إذن لمرحلة الابتدائية أن تركز في تعليم الأساسيات والاكتفاء بإعطاء فكرة سريعة عن المنهج العلمي عن بعض "التيمات" يتم تناولهم إذا تصادف وقوع حدث معين مثل زيارة إلى حديقة الحيوان أو محاضرة معينة أو سؤال قام بطرحه طفل من الأطفال أو شيء معين قام بإحضاره، الخ.... وعن هذه التيمات وليدة الصدفة يقوم التلاميذ ببعض الأعمال التطبيقية ثم يقومون بتدوينها في"كراس التيقظ" cahier d’éveil مع مادتي التاريخ والجغرافية. وهذا هو عادة ما تم إدراجه تحت اسم عملية "التيقظ" في الفصول بالرغم من الطموحات الكبيرة التي كان يغذيها مؤسسوا هذه العملية في البداية.

إلا أن هذا النوع من العمل يتصف بضيق الحدود. فهو يقوم على احتمالات كثيرة لا تضمن أن الذي تم يتطابق فعلا مع المعرفة العلمية التي يستطيع الطفل أن يكتسبها. وهو لا يهدف إلى اتباع منهج متجانس لاكتساب معرفة علمية تكون في متناول إدراك الطفل. وكثيرا ما يكتفي عمليا بوضع المرحلتين التاليتين جنبا إلى جنب: يقوم الطفل بالمشاهدة وبالمعالجة اليدوية وبعدها يقوم المدرس بتلخيص الموقف في بضع جمل تحتوي على بعض المصطلحات العلمية لا يستطيع الطفل أن يربط بينها وبين ما شاهده. وهناك طريقة تدريس منتشرة إلى حد كبير حيث تتم قراءة نظرية (حقيقة) معينة ثم يتم التأكد منها بالمعالجة العملية. وفي كلتا الطريقتين نجد أن هناك معالجة تميل إلى أن تكون ترفيهية قبل كل شيء، ثم حقيقة يقوم المدرس بإلقائها من منطلق معرفته. ولذلك فنجد أنه لا توجد إذن عملية تحري يقوم بها الطفل حيث إن في هذه العملية يكون الطفل هو الذي يبني المعلومة ويصل إلى اكتشاف من خلال تدخله معالجته اليدوية للموقف.

إيجاد طرق للتجديد
ولكن، في برنامج "اكتشف بنفسك" ليس هناك أي شيء جديد، سوف يقول ذلك المتشائمون: أليست شبيهة بالطريقة التربوية التي دعا إليها "فرينيه"؟ أو ليست مثل طريقة "التيقظ"؟ لقد تم القيام بكل شيء ومع ذلك فلابد البدء من جديد. كم عدد الفصول التي تطبق فيها العلوم بطريقة تجريبية بالفعل بدلا من حفظ ما هو مكتوب في الكتب المدرسية (أو مصور وملزق في الكراس)؟

ليس هناك جديد، إلا ضرورة مطابقة التعليم مع العلم المعاصر، وضرورة إدراج التجربة المكتسبة وما أثارته من انتقادات بطريقة يستطيع المدرسون استعمالها، والرغبة في بدء تنفيذ تلك الممارسات التي طالما مدحت أو انتقدت وفقا لكل حالة. إذ إنها تطلب الكثير ولا يمكن ارتجالها. وهي تقوم على دراسة متينة وعلى أدوات وكتب وتحضيرات تم تنفيذها بعناية. ويتم انتقال المعلومات المكتسبة من البحث في التربية، وانتشار الممارسات التربوية المثمرة، عن طريق أدوات تم التفكير فيها جيدا حيث تتراكم فيها التجارب في صور ممكن أن يتوصل إليها الآخرون: ولا نكون واقعيين إذا اعتمدنا فقط على قدرة المدرس في التأليف والتجديد.

فالمسألة التي يجب أن تحل هي ليست: "كيف يتم تدريس العلوم" إنما "كيف يمكن السماح لجميع المدرسين بتدريس العلوم بطريقة فعالة وإيجابية دون أن يمتلك جميعهم المقدرة على التجديد الجريء ؟". ويكمن التجديد الذي جاء به النظام الأمريكي في أنهم فهموا جيدا أن أي تحول جديد في التدريس يجب أن يمر بإرادة سياسية وباستثمار للأوساط العلمية وبتعبئة قوية للنظام بأكمله لمساندة أو مصاحبة المدرسين. وتأخذ هذه المصاحبة أشكالا عدة: نلاحظ على الأخص في البرنامج Inquiry، وهو ليس مطابقا لعادات وتوقعات الفرنسيين، وجود كتب من نوع جديد حيث تم تجهيز جميع التحضيرات وتزويد الفصل بجميع المعدات اللازمة للتجربة.
وأهم ما في الموضوع هو ألا يترك المدرسون لأنفسهم وأن يكون عليهم تأليف كل شيء.

الاستناد (الارتكاز) على حب استطلاع الطفولة
يتميز الأطفال بحب استطلاع كبير فيما يخص العالم الطبيعي وهم لا يملون ولا يكلون من طرح الأسئلة: لا شيء يخيفهم ويندفعون قدما نحو الأسئلة الشائكة وحتى تلك التي لم يفلح العلم المعاصر في حلها بعد. حقا إنه من الصعب الإجابة على جميع الأسئلة؛ ولكنه من المؤسف ترك تلك الرغبة في المعرفة تندثر لعدم تلقيها التشجيع الكافي في حين إنه يكون من الأجدى توجيهها نحو بناء ثقافة علمية قد تكون بدائية ولكنها أساسية؛ وذلك بسبب ما تتميز الطرق المكتسبة في هذه السن من حسم وما يتميز كل ما تم تحصيله كصلة بالمعرفة بالدوام.
وبعد ذلك، عند بداية التدريس العلمي في المرحلة الإعدادية سيكون قد فات الأوان: فمعظم المراهقين، وأكثر منهم المراهقات، يهتمون بعالم البشر أكثر من عالم الطبيعة أو المادة؛ في تلك المرحلة، ينجرف التعليم العلمي في رهانات من الاختيار والتوجيه تجعل منه وكأنه دواء مر على التلاميذ تجرعه لضمان الحصول على وظيفة فيما بعد. وتقوم الفصول الكبيرة وفصول المرحلة الإعدادية بتوجيه التعليم نحو علوم الرياضة على حساب تناول أكثر ثقافة وتجريبية ومتناول أكثر للجميع؛ وتكون النتيجة هو أن تصبح مادة الطبيعة هي المادة الأقل تفضيلا عند التلاميذ عامة والتلميذات خاصة.

بالنسبة لكثير منهم، يكون قد أغلق باب في طفولتهم، لعدم فتحه على مصراعيه على حديقة أو سماء تسطع بها نجوم... ويرغب برنامج "اكتشف بنفسك" الارتكاز على حب استطلاع الأطفال البريء وتعطشهم لرؤية ولمس وصنع وتحريك الأشياء من حولهم من أجل بناء مسار علمي قد يكون بدائيا بالطبع ولكنه متجانس ومتين.
قامت بتحرير هذا النص "صوفي أرنست" عام ١٩٩٧ 

تنظيم العالم والسيطرة عليه
الرهان هو تزويد الأطفال بثقافة علمية تتماشى وعصرنا هذا: من أجل فهم أكبر وسيطرة أكثر على العالم. ولكن ما هو المقصود بكلمة ثقافة؟ ليس المقصود بها، في هذه المرحلة، سبق الأحداث وتعلم ما سوف يدرس لهم في المرحلة الثانوية. وإنما المقصود هو تلقين الأطفال بعض العناصر العلمية التي سوف تمدهم بتفسيرات لبعض ظواهر الحياة اليومية البسيطة وهم في هذه السن التي يتفتح فيها حب استطلاعهم على الحياة والأشياء والطبيعة وحيث ترسخ في أذهانهم المعلومات التي يتلقونها وفهم أكبر للعالم يعني امتلاك كلمات وعلاقات ونماذج تفسيرية تساعد على تنظيم المعلومات المحصلة - يصبح العالم أكثر كثافة وأكثر تعقيدا ولكنه في الوقت نفسه يمكن فهمه بسهولة أكثر: يمكن السيطرة على الفوضى من خلال المرور بالتصور représentation. وتأثير التلفيزيون اليوم على حياة الأطفال الحديثة كبير وهو يعودهم على عرض مستمر للأشياء بدون نظام أو تتابع أو تجانس. ولكنه من المهم أن يقوموا ببناء عالم منظم لنفسهم وفقا لهياكل معينة. كما أنه يكون من المهم أيضا أن يتمكن الأطفال من الربط بين النظرة العقلانية للعالم وإمكانية السيطرة عليه وتغيره. إذ إن المجتمعات الجديدة تقوم على الرباط بين العلم والتقنية، بين البحث والإنتاج الصناعي، والتنحي بعيدا عن هذه الثقافة هو المجاذفة بالابتعاد عن الحداثة. 

عناصر لثقافة علمية أساسية
يوم بعد يوم، وعام تلو الآخر، هناك ثقافة علمية أساسية حقيقية تشيد على مدار المرحلة المدرسية الأولية. وتعطي عملية البناء المتعمقة للمبادئ الإرشادية كل الوقت الكافي بتناولها تدريجيا من أكثر من مدخل، ولكن رويدا رويدا، ومصطلح بعد مصطلح،تتشكل مجموعة نظرية، متجانسة وذات كيان.

يستمد النظام الأمريكي قوته من مفهومه عن المعاير standards فهي ليست برامج تماما ولا هي قواعد؛ ولكنها سلسلة من الاقتراحات للمدرسين تقوم بتحديد الأهداف لهم؛ وتنتج هذه المعايير من تداولات رجال العلم والمعلمين والموجهين. وهكذا يتم تحديد أهم التعاريف التي تكون في متناول إدراك الأطفال التي تمكنهم من فهم العلوم الحديثة وكذلك تحديد أهم التجارب التي ستساعدهم على فهم المسارات اللاحقة والتفتح عليها. 
وبعد ذلك في المدرسة الثانوية، يحين وقت الانتقال إلى شكلية الرياضيات. إلا إنهم في مرحلة الطفولة سيكونون قد اكتسبوا طرق كيفية طرح الأسئلة ومحاولة الإجابة عليها واقتضاء درجة من الوضوح.

هذا ويهدف برنامج "اكتشف بنفسك" إلى إثارة حب استطلاع متزايد عند الطفل عن ظواهر عالم الطبيعة وأن تخلق عنده عادة طرح الأسئلة ومحاولة الإجابة عليها، وكذلك تواضع الاختبارات وإبداعها العملي واقتضاء فهم ما تعنيه الكلمات بدون عملية إبهار كاذبة وبدون الامتثال للحجج المفروضة، أي الموقف التجريبي والعقلاني الذي يجب أن تنشده التربية العلمانية في المدرسة الفرنسية. 


علوم خاصة بأشياء بسيطة ملموسة ومألوفة
ولكي يحس الأطفال بقوة وضرورة عملية الفهم، نرى أنه من غير المثمر مواجهتهم بعلوم ذات تكنولوجيا متزحلقة وبأشياء افتراضية. فمن الأفضل تناول علوم خاصة بالأشياء البسيطة التي يتعاملون معها يوميا، علوم لها صلة بالواقع وفي متناول إدراك الأطفال. من الأجدى السيطرة على عمليتي التفكير والتجربة على شيء مألوف عن التوهان تحت سيل من المعلومات ذات المصدر غير المحدد. 
حقيقي أن البحث المعاصر لم يعد يستعمل قطع الدوبار والأنابيق والبراجل، وحقيقي أنه يبلغ الآن مستوى عاليا من التقنية تحتل فيه المعلوماتية مكانة مرموقة، إلا أنه مع ذلك ولهذا السبب ذاته تبدو لنا ضرورة مقاومة "الأشياء الافتراضية" التي تفرضها رؤية العالم من خلال الشاشة. أن يتعلم الأطفال بسرعة استخدام أدوات التقنية الأكثر حداثة، نعم؛ أن يصلوا بسرعة، في المرحلة الثانوية إلى تقنيات البحث الحالية، نعم. ولكن في المرحلة الابتدائية، فهم يحتاجون قبل كل شيء إلى بناء علاقة مع الواقع خارج شاشات التلفزيون أو الحاسب الآلي ، فهم محتاجون إلى فهم ما هي العلوم في علاقتها مع العالم، وإلى الإحساس بسلطة التفكير، وإلى تكوين أفكارهم عن أشياء مناسبة لهم يسيطرون على مؤشراتها (خواصها). وذلك لأن التعليم الابتدائي ليس ولا يجب أن يكون مجموعة من المعلومات يتم تحصيلها من الكتاب ومن الشاشة: فالأولوية هي معرفة التناول الصحيح للطرق التجريبية، ولعمليات التفكير والتحريات. وعلى تلك القاعدة الأساسية لعمليات البحث والتحري العلمي التي تكون في متناول إدراك التلاميذ، سوف تأتي لتطعيمها قدرة التكنولوجيا الحديثة كأداة في خدمة الفكر وليس كقوة غير مبصرة. 
علوم ووثائق متعددة: أهداف متكاملة ولكن واضحة الاختلاف
وهما الهدفان التاليان:
١) تعلم العلوم على أشياء بسيطة وملموسة ومألوفة
٢) تعلم التقنيات الحديثة
وهما لا يتعارضان بل يتكاملان. ولكن يجب عدم الخلط بينهما. وكون برنامج "المشاركة الفعلية " موجها إلى المدرسين فهو لذلك يرتكز على شبكات الإنترنت التي تسمح بنشر مصادر المعلومات ومضاعفة التبادلات والمراسلات المدرسية وشبكات المعلمين. وهي الفرصة المناسبة للمدارس للتعرف على هذه الأداة واكتشاف مواردها ليس بطريقة رسمية ولكن بارتباطها بمشروع ذي معنى: فتعلم استخدام أداة يكون دائما أفضل لو كان هناك دافع معين لاستعماله. 



وعلى العكس، ففيما يخص الأطفال، يهدف برنامج " المشاركة الفعلية" بوجه خاص إلى بناء علوم تتناول ما هو ملموس ولكن ذلك لا يمنع استخدام جميع موارد التقنية الحديثة من أجل إجراء بحث دقيق عن معلومة والاتصال بالآخرين عن بعد ولتبادل المصادر، ولكن لاستعمال التقنيات الحديثة بطريقة ذكية يجب أن يكون قد تم بناء هياكل ذهنية من التفكير ومعالجة المعلومات، كما يجب أن يكون قد تم اكتساب معلومات أساسية في جميع المجالات. واكتساب المعرفة لا يعني مجرد استقبال معلومة، كما أن قراءة المستندات لا تحل محل التحري المباشر عن الأشياء.

في السن الصغيرة، يتم ذلك بطريقة أفضل فيما يخص علوم الطبيعة على أشاء بسيطة وملموسة، أشياء مألوفة يكتشف أنها من الممكن أن يتم تناولها كأشياء خاصة بالمعرفة العلمية. 


طريقة تربوية متنوعة وثقافة مشتركة
في الوقت الذي يطالب فيه المدرسون بممارسة "طريقة تربوية مختلفة" والذي يتساءل فيه الكثير منهم عن كيفية إدارة الفصل ومتابعة كل تلميذ في آن واحد، وأيضا عن كيفية إثارة اهتمام المجموعة والتكيف مع كل طفل، يكون من الأجدى الارتكاز على مشروع يجعل الفصل يتواجد كفصل يجمع التلاميذ في عملية تحر جماعية حيث تقوم اختلافاتهم بإثراء المجموعة بدلا من أن تعرقل تقدمها.

وفي حد ذاته، يقوم التدريس العلمي بتنويع الطريقة التربوية لأنه عرضة لاستقبال أنواع أخرى من الدوافع ومصادر أخرى غير الأنشطة الأدبية والفنية والرياضية. وبسماحه للأطفال بالقيام بتحرياتهم عن أشياء عادية في العالم الطبيعي، يقوم بتعبئة تجارب عادية ومشاهدات ومهارات تتقاسمها العائلات الأكثر تواضعا. وهكذا يكون في إمكان أطفال الأوساط الشعبية نسج معنى بين المعرفة المدرسية والتجارب العائلية مما يقلل عامل عدم المساواة في الفصل أمام علم المدرسين.

بل وأكثر من ذلك، يقوم برنامج "المشاركة الفعلية" بتقديم طريقة تربوية متنوعة قد تكون التفسير الواقعي للطريقة التربوية المختلفة. فهي تقوم بتعبئة عدد كبير من الأنماط التربوية – ثنائيات ومجموعات صغيرة وفردية- وهي تنوع طرق تناول المعرفة: من خلال الفصل واللغة والرسم والمناقشة والقراءة. ولكل مفهوم يوجد مداخل كثيرة متعاقبة. وهكذا يتمكن أطفال ذو خصائص مختلفة من إيجاد ما يناسبهم دون أن يكون المدرس قد أجبر على القيام بتلك المهمة المستحيلة بل الكابوسية، لتحديد النفسية الاجتماعية لكل طفل وتكليفه بالقيام بعمل نوعي محدد.

تنوع أنماط العمل
يخص التنوع الإيقاع كذلك. لأنه ليس ما يرهق الأطفال هو مواعيد الإيقاع المدرسي، بالرغم مما يعتقده علماء الوتائر الحيوية، بقدر ما تفعله رتابة اليوم الدراسي حيث يكون عليهم تركيز انتباههم بصفة مستمرة على ما يقوله المدرس. لذلك فقد حرص برنامج "المشاركة الفعلية" باتباع إيقاع معين يجنب التعب. 

والتشتيت يتناوبه طرق كثيرة للعمل، بعضها مثيرة وجماعية وبعضها مركزة وفردية، وبعضها صعبة وأخرى أكثر هدوءا: وعند إجراء التجارب، يكون على التلاميذ التزام الصمت برهة، ثم إمعان النظر والقيام بتدوين ما يرونه – ومسموح لهم بالمناقشة والانفعال – وبعدها يكون عليهم تركيز انتباههم على ما يشاهدونه؛ ثم يأتي دور الكتابة والرسم والاجتهاد، وتبادل الكراسات والقيام بالتصحيحات وإرسال الرسائل الإلكترونية.
والأطفال مثلهم مثل الكبار، أيا كانت الساعة خلال اليوم، يكون شعورهم بالتعب أقل طالما أن الذي يقومون به يشد انتباههم وطالما يكون في إمكانهم مناوبة أشكال العمل وقوة التركيز، وكذلك عندما يستطيعون تبادل أفكارهم مع زملائهم في بعض الأوقات ثم التركيز في هدوء على عمل شخصي في بعض الأوقات الأخرى. 


تتيح الأنشطة العلمية سهولة تجميع أطفال من سن مختلفة ومن مستوى مدرسي مختلف – على سبيل المثال في الفصول الريفية. وتحترم الاختلافات بين الأطفال من خلال تنوع أوجه العمل، ويشجع تقدمهم الشخصي من خلال إتاحة فردية العمل الكتابي؛ وكذلك يتم تقييم تميز كل تلميذ لما لها من فوائد في عملية القيام بالتجارب. ومن جهة أخرى، يسمح تنوع طرق العمل لتلاميذ ذي تجارب عائلية متنوعة وذي ميول ومهارات متنوعة، بل وغير متساوية، بإيجاد مدخل نحو المعرفة.

ومع ذلك فتلك الطريقة التربوية ترجع إلى شيء يتعدى الفوارق هو البناء الجماعي لثقافة تتجاوز الأفراد وتتجاوز الفصل. 


مدخل انضباطي، مشروع دولي
بسبب انضباطية المدخل إلى المعرفة في برنامج "اكتشف بنفسك" وبسبب الأهمية التي يمثلها لمجتمعاتنا الحديثة رهان تدريس العلوم بإعطاء الأولوية لروح البحث العلمي، يحاول هذا البرنامج إضفاء معنى على التكوين الفسيفسائي للأجهزة التربوية بتكوين عمل شامل بجموع التجارب التي تتم من أجل جعل المدرسة أكثر عدلا وأكثر فاعلية. وهو بدفعه للأجهزة النظامية إلى إعداد نفسها من أجل غاية ثقافية، يقوم بإعطائهم قيمتهم الحقيقية كطرق تربوية. ويعد تدريس العلوم أمرا جوهريا من وجهات نظر عديدة: لتأهيل الصفوة الممتازة وكذلك تأهيل المواطنين وتحميلهم المسئولية، وللثقافة الأولية لكل فرد.

في حين إن أغلبية الأشياء تعمل عل التفرقة بين الأفراد، من حيث الأصل والوسط واللغة ووجهة النظر وطريقة المعيشة، يقوم العلم على تجميعهم لأنه واحد بالنسبة للجميع. ورهان برنامج "المشاركة الفعلية" هو أن العلوم- وهي اليوم ثقافة انتقائية وأداة للنخبوية الاجتماعية- يمكنها أن تصبح ثقافة تقرب بين المواطنين وتعدهم سويا لمواجهة تعقيدات العالم الحديث. ثقافة أقرب للواقع وأكثر عملية وأكثر انتقادية. 


التجربة و التحري
تفعيل المشاركة الفعالة

يتفق كثير من رجال العلم اليوم في اتهامهم لنظرية التدريس العلمي بأنه غير تجريبي إلى حد كبير، فهو يرتكز على الرياضة، ويهتم أكثر بالشكل وبالنظريات ولا ينجح في المساعدة على ظهور المهارات التجريبية والذكاء الفعلي والتعود على مواجهة الفكر وملكة البحث وإثارة الأسئلة عن كل ظاهرة.

إلا أنه يجب أن يكون هناك معرفة متعمقة، ليست فقط لنتائج العلوم كما تظهر في الكتب المدرسية ولكن أيضا فيما يخص طبيعة العلوم ذاتها، حسبما تكونت من التساؤلات عن الواقع ومواجهة المجهول. فعندما تقدم المعرفة العلمية وكأنها حقائق منطقية تهبط من سلطة عليا غير قابلة للخطأ، أي العالم (بمعطفه الأبيض بالطبع)، قد ننقل المعرفة ولكننا في الوقت ذاته ننقل عدم المعرفة بطبيعة العلوم التجريبية الحقيقية. فالمقصود هو إدراج في معرفة الحقيقة الدرب المتردد الذي يؤدى إليها: ويحث هذا من خلال حوار مع التجربة. والمقصود أيضا هو إتاحة علاقة مع ما هو حقيقي تسمح بإعادة النظر فيما يعتبر كذلك في حالة وجود حدث يشكك في الحقائق المسلم بها.

ولذلك فهذا البرنامج يدعو إلى "اكتشف بنفسك ". فالأطفال يوضعون أمام أشياء حقيقية ويقومون بتجارب على الظواهر التي يشاهدونها: وعملية الفهم هي أولا الدهشة ثم العمل وإعادة العمل، وسبق الأحداث، وانتظار النتيجة…والتعبير يترجم التعبير الفرنسي La main à la pâte (اليد في العجين) الذي يترجم هو نفسه التعبير االأمريكي ”Hands on ("وضع اليد في.."؛) ولكن يجب أيضا تناول الوجه الآخر للطريقة وهو الأكثر حسما: Inquiry (التحري)، والاستقصاء والبحث عن أدلة للافتراضات التي نريد إثباتها. فرغبتنا في دفع الأطفال إلى اتباع الطريقة التجريبية هي من أجل حثهم على التفكير فيما يقومون به وعلى محاولة التنبؤ بنتائجه. ليس المقصود فقط المعالجة اليدوية في معناها اللفظي إنما المقصود هو تعلم سلك ذلك الطريق الطويل بحثا عن الأدلة وما يقتضيه من صبر ومثابرة. 


تحريات من أجل معرفة أساسية
لا يوجد هناك مجال للاختيار بين "المحتويات" و"الطرق المتبعة"، بين وضع البرنامج وأخذ الوقت الكافي للقيام بالتجربة، بين المعرفة والطرق التربوية النشطة. من المهم أن يتعلم الأطفال عملية بناء المعلومات وحل المسائل العلمية من خلال القيام بالتجارب وبالتفكير، ومن المهم أن تأتي لهم هذه التجارب بنتائج معينة – ويكمن الدور الحاسم للمدرس في توجيههم بحيث تؤدي تحرياتهم فعلا إلى التوصل إلى المعرفة.

إلا أن المدرس هو نفسه يحتاج إلى أدوات وكتب تساعده على القيام بمهمتيه: من جهة تمكين الأطفال من بناء المعرفة من خلال طرق ديناميكية نشطة، ومن جهة أخرى أن تكون هذه المعرفة التي يتم جمعها بمساعدته نظام معرفة متجانسا ومتينا، أي معرفة علمية أولية منظمة حول بعض الإلمامات المدخلية والمهارات الأساسية. وفي النهاية نستطيع أن نتخيل أنه كما هو الحال في الولايات المتحدة سوف تؤدي تلك المعرفة الواسعة بالأوساط العلمية إلى تشاور جماعي لعدة فئات معنية بمسألة التعليم الابتدائي و"مقاييسه": 
على رجال العلم تحديد النظريات والمفاهيم المنظمة للمعرفة الحديثة، وعلى رجال التعليم تحديد ما هي المفاهيم التي يمكن أن يتناولها الأطفال وعلى التربويين تحديد ما يمكن تحقيقه عمليا. ولم يتم نجاح الولايات المتحدة في وضع "مقاييس للتعلم"، أي متطلبات تعليم ذي أهداف طموحة إلا بعد انعقاد مشاورات متعمقة كتلك. 


لعبة نتعلم بها التعجب
شبه أحد الأطفال العلوم بأنها لعبة ولكنها لعبة غاية في الصعوبة …. تكثر فيها الفخاخ، وتطلب قوة التركيز وبذل المجهود. لعبة صعبة مثل الواقع الذي يواجهه، على عكس اللعب السهلة التي تتمثل فيمشاهدة التلفزيون، واللعبة الخالية من أي هدف والتي تتمثل في القيام بتجربة مسلية للتحقق من صحة ما قاله المدرس وأن الأشياء تتم بنفس الطريقة التي تم نقلها من الكراس.

في حين أن الأطفال الذين يقومون بمعالجة الأشياء يدويا وبإجراء تجارب على ظواهر معينة يقومون بعملية تحر حقيقية، في حدود إمكانياتهم بالطبع، وتوصلهم إلى نتائج معينة. لم يكن أن يتوصلوا إليها بمفردهم. إنما هو توجيه المدرس المستتر، ولكن الوعي، هو الذي يدفع بهم إلى رؤية ومشاهدة ووصف ما هو أمامهم وإلى مواجهة وجهات نظرهم. ويرجع الفضل في الأنشطة العلمية إلى اكتساب عادة، أو عدم فقدان عادة التعجب أمام ظواهر مألوفة مثل لماذا ينمو النبات؟ وهل يتغذى وكيف؟ وما هو الفرق بين الحيوانات والنباتات والإنسان؟
وماذا يحدث عندما أتناول طعامي؟ ما الذي يجب عمله للحصول على أجوبة؟ 


 تعلم المشاهدة، وإيجاد الأسئلة المهمة
ليس من السهل الانتقال من ملاحظة السؤال  – سؤال مهم – أو الانتقال من سؤال إلى مشاهدة. ما الذي نراه ويكون من الصعب فهمه ، ما الذي يجب أن يتم شرحه؟ ما هو الشيء الذي يهم فعلا؟ إن عملية المشاهدة أصعب مما نتصور. في البداية لا نرى شيئا، أو نرى شيئا غير واضح، أو ما يقفز إلى النظر فقط؛ ولو بدأنا في عملية الوصف فسوم ننجرف في متاهات التفاصيل الصورية.. ويمتلك الأطفال مقدرة كبيرة على ذلك، إلا إنهم يمتلكون كذلك مقدرة على الملاحظة ، لأنهم على خلاف الكبار لم يقوموا بعد بالاستسلام للأمر الواقع وبالتسليم بأن الأشياء هي كما تبدو عليه… فيقومون بعدة عمليات ليست بالأمر الهين من تعجب ووصف ورسم وتحليل واكتشاف عناصر ذات دلالة.. ممارسة العلوم إذن هي أولا رؤية شيء ما ثم محاولة بناء شيء لا نراه عن طريق الكلام، وفي النهاية رؤية أشياء أكثر إثارة بكثير من تلك التي تمت رؤيتها لأول وهلة. ويؤدي عمل الأطفال في مجموعات صغيرة تحت توجيه المدرس إلى لفت انتباههم إلى أشياء كثيرة وتوليد أسئلة مهمة. وعن طريق تبادل تلك التساؤلات وكتابة ورسم ما يشاهدونه ويفسرونه ويستنتجونه، يتعلم الأطفال المشاهدة الصحيحة. عن طريق العلوم يتوصل الأطفال إلى ترشيد عملية الانبهار. 

توجيه المدرس
ولكن كيف السبيل للحث على رؤية الأشياء المحيطة وإلى تعديلها؟ إن متابعة تجربة جميلة في كتاب لا تكفي ويتعلم الأطفال بطريقة أفضل عند قيامهم بها بأنفسهم، على أن تصاحب الكلمات الفعل، وأن تترجم حركاتهم إلى كلمات، كلمات خاصة بهم. فالمشاركة الفعلية ليست فقط التجربة اليدوية: هي أيضا عملية بحث وتحر حيث يؤدى الفعل إلى التفكير.

ويمكن دفع الأطفال إلى التفكير عن طريق طرح أسئلة غاية في البساطة. ويكون دور المدرس هنا أشبه ما يكون بدور قائد الأوركسترا الذي يقوم بتنسيق التبادلات بين الأطفال ودفعهم في اتجاه تحصيل المعرفة. على سبيل المثال: فيما يخص التجارب التي تجرى في فصول رياض الاطفال على ما يغوص وما يغرق . عمليات الحث بسيطة: الملاحظة ، العمل وإعادة العمل، والإجابة عن أسئلة بسيطة: ما الذي سوف يحدث؟ ما الذي يهم؟


 في اعتقادك كيف يتم ذلك؟ في البداية يلاحظ الأطفال أن هناك بعض الأشكال تطفو والبعض الآخر يغوص ، ولكنهم يتبحرون أكثر وينجحون في التعبير بكلماتهم عن فكرة أن حدوث ذلك يرجع بالأحرى إلى العلاقة الموجودة بين الشكل والمادة. يغوص  الصلصال وهو في شكل كرة ولكنه يطفو عندما يتم بسطه، أما بالنسبة لكوب الماء الصغير المصنوع من البلاستيك فهو يطفو  و يغرق أيضا  القشاط المصنوع من نفس المادة.

وبفضل أسئلة المدرس، يتعلم الأطفال الملاحظة بطريقة أفضل، ويقومون بمحاولة شرح ما يشاهدونه؛ ويشرعون في القيام بالتجربة للحصول على أدلة تثبت ما يفكرون فيه؛ كما يتبادلون الأسئلة، ويتناقشون أثناء التجربة  اليدوية، ثم يقومون بتصوير التجربة بالرسم والوصف والتفسير.

تقبل طول الوقت اللازم لعملية بناء المعرفة
يمر كل طفل بالمجموعة بأربع مراحل في عملية بناء المعرفة: النجاح في صياغة السؤال الصحيح؛ القيام بعملية تحر؛ الإجابة على السؤال، نقل ما يشاهده أو يعتقده. ولا تسير تلك العمليات الأربع في خط أفقي ولكنها تتشابك وتتقابل وتختلط.
وتستهلك  هذه المراحل  وقتا معينا. فالطفل يقوم بتحسس واستكشاف عدة طرق؛ وهو يحتاج إلى وقت معين لإتمام محاولته التجريبية ولاستنباط أفكار واقتراحات وافتراضات. ويعتبر توجيه المدرس أساسيًّا إلا أنه لا يعني اختزاله للمراحل المطلوبة وإمداد الطفل بالأجوبة، وهو لا يتمثل كذلك في محو الخطأ أو منع حدوثه إنما على محاولة الاستفادة منه. وعليه دفع الطفل على المضي قدما في تجربته مع التذكير بالغاية المنشودة من تلك المعالجة (إذ إنه في سن السابعة أو الثامنة، قد يتوه من الطفل ما هو مطلوب الوصول إليه في النهاية في غمرة قيامه بتجربة مثيرة….).

يستلزم كل ذلك وقتا كافيا لكي يكتسب الطفل معارف لا تكون مجرد معلومات إنما عمليات ذهنية عليها. 


تنفيذ مهمة، حل مسألة، القيام بالتجربة ذهنيا
إلا أنه يندر الآن أن يقدر الأطفال، بعد أن تعودوا على وجود التلفزيون الدائم، قيمة عملية بناء صعبة تحتاج إلى صبر ومثابرة لتكتمل. بل إن التلفزيون يقوم بإعطائهم صورة ما يعتقدون القيام به في المدرسة: التزويد السريع بالمعلومة. وكثيرا ما ينظرون إلى الواجبات المدرسية على أنها مهام روتينية، لا معنى لها، يجب القيام بها لا لشيء إلا لمجرد إنها تدخل في نطاق حياتهم كتلاميذ. إلا إن المدرسة التي تقوم بتعليم التلاميذ الاكتفاء بعدم مخالفة السلطة إنما هي مدرسة تحضرهم إلى الامتثالية البيروقراطية، حيث يقوم كل فرد بعمل ما يجب عمله في نطاق احترام الإجراءات المفروضة دون أن يسأل نفسه عن الفائدة من ذلك وما هي الغاية المنشودة.

ويعتبر مهمًّا جدا ذلك الخيار الذي يدفع الطفل إلى التعود على تحليل موقف معقد من الواقع وإلى تناوله كمسألة يجب حلها وعدم تركها إلا بعد أن يكون قد قام بتوضيح الأغلبية العظمى منها. إن ذلك يدعوه إلى عيش التجربة ذهنيا وإلى عدم التسليم بتجرد المهام الروتينية من المع وتأتي رهانات تحقيق مواطنية نشطة وحياة إنسانية متحررة وطبيعة العمل الحديث في مقدمة الأشياء التي تدعو إلى القيام بهذا الخيار.

ويتجلى دور المدرس في برنامج "اكتشف بنفسك" في حث الأطفال على القيام بالتجربة وفقا لما يعتقدون وعلى التفكير فيما يفعلون. "لماذا تقوم بذلك؟ أخبرني بما كنت تريد أن تجد؟ ماذا يعنى ذلك بالنسبة لما نبحث عنه؟"

وتؤدي ديناميكية الأطفال، وحب استطلاعهم تجاه التجارب، وتوجيه المدرس الذي يعمل باستمرار على إعادة تحديد الهدف المنشود إلى تحول الأنشطة العلمية   الي المدرسة التي  يتم فيها  تعلم حل المسائل والتفكير فيما يتم القيام به بدلا من الاكتفاء بتنفيذ المهام. 

إلا إنهم لو قاموا ببنائها ذهنيا وأدرجوها في عملية تفكيرهم لا يقف الطفل وحده أمام التجارب. ولا يقوم وحده بعملية بناء المعرفة وبدون مساعدات: فهناك تفاعل مستمر مع أطفال آخرين وتوجيهات من المدرس.

وتتيح المجموعة الصغيرة للأطفال مقاسمة وجهات نظرهم عما يدور أثناء التجربة. فالشخص عامة عندما يكون بمفرده، لا يميل إلى التشكيك في أفكاره الأولى.. في حين أن اضطراره إلى تفسير وجهة نظره للآخرين بالبراهين والأدلة يضعه في موقف نقد ذاتي وموضوعية. فإذا بدأنا في التفكير فذلك يرجع إلى تعدي مرحلة الاختلاف في الرأي. وليس أفضل من التشكيك في الأفكار المسلم بها عن مواجهة المجموعة.

ويتواجد المدرس هنا لإرشاد الأطفال في هذا الطريق الصعب: بطرحه للأسئلة وحثهم على أخذ المتناقضات في الحسبان، ودفعهم إلى صياغة أوضح لأفكارهم. وبدلا من أن يقوم هو بالشرح، فهو يفضل دفع الأطفال إلى عرض أفكارهم بدعوتهم للتعبير والتفكير في اختلاف تفسيراتهم. 


بناء التجربة

إننا تقوم باستعمال كلمتي "تجربة" و"اختبار" على مستويات مختلفة ولكن كلتيهما له مكان في الحصة
يحتاج الأطفال إلى كم كبير من الحرية في عملية المعالجة اليدوية للبحث ولمتابعة ما يجري أمامهم واستكشاف ما يدور حولهم، فهذه طريقة للتآلف مع الأدوات موضوع الدراسة. ذلك هو المستوى الأول الخاص بمرحلة ااملاحظة . يليه مستوى أعلى تتم فيه من عملية الاختبارتتم فيه المحاولة من أجل رؤية ما سوف يحدث، وبالتعديل والمقارنة من أجل تكوين الفكرة. وفي النهاية تتم التجربة الأساسية. هناك أفكار لتفسير ظاهرة ما ولكن ليس متفقا عليها من الجميع وينتج من ذلك عدة افتراضات- فيجب إذن القيام بتجربة تسمح لنا باختيار واحد منها. ويمكن القول بأن الاختبار هو سلسلة من التجارب كل واحدة منهن تحاول برهنة افتراض من الافتراضات.

وهناك وجه من أوجه العلوم يثير الانتباه وهو اعتبار التجربة الحاسمة التجربة التي عادة ما تمحي بمحو افتراض من الافتراضات، وهي من وجهة نظر الأطفال تعتبر تجربة فاشلة. هنا فقط سيكون في مقدورهم فهم أن ذلك لا يعتبر فشلا بل سينظرون إليه وكأنه نجاحا للمعرفة: لا يعرف بعد إذا كانت الافتراضات الأخرى صحيحة ولكن على الأقل تم التأكد من أن ذلك الذي تم تناوله غير صحيح. ولا يكون من السهل دائما بالنسبة للأطفال قبول هذا المشوار الطويل للتأكد، في الوقت الذي ينتظرون فيه إجابة سريعة لسؤالهم. إلا أن المعلم يقوم بتعليمهم المثابرة وقوة الاستنتاج والشعور بالفخر من الحصول على نتيجة تم دراستها بعناية، وذلك بعدم إجابته على سؤالهم مباشرة ودفعهم إلى إيجاد الافتراضات وسلك المشوار الطويل للتأكد 

قبول حكم ( نتيجة) التجربة
في عملية التحري العلمي، يكتشف الأطفال ما الذي يمكن أن يدفع الجميع على الاجماع  على صحة القتراحات  العلمية: اختبار مبني على أسس سليمة يقوم بتحليل الظاهرة موضوع الدراسة والقطع بين الافتراضات المقترحة. ويقوم الأطفال بتعلم شيء مهم عن طبيعة العلوم: وهو أن الحقائق يتم بناؤها ولكنها لا تتوقف أو تخضع لقراراتنا - فهي تخبرنا بشيء خارجنا يجب علينا أن نتعلم استجوابه.

في المجموعات الصغيرة، أمام معدات التجربة، قد يكون للأطفال ملاحظات متشابهة أو مختلفة. هناك شيء ما يحدث؛ يقوم كل طفل بشرحه من وجهة نظره وهو يستطيع الدفاع عنها وتفسير لماذا تتم العملية على هذا النحو في رأيه. وتعطى للأطفال فرصة المناقشة والمواجهة وإقامة الحجج، والتمسك بعدم اتفاقهم للنهاية – إلا أن موضوع النقاش يظل حياديا – ويختلف هذا النزاع عن ذلك الذي يحدث بينهم أثناء الفسحة في فناء المدرسة . فتكون هذه فرصة لكي يتعلمون أن المناقشة الجادة يمكنها أن تتم في هدوء.

كيف إذن يتم حسم الموقف؟ من يفوز في عملية إقناع الآخرين؟ إنه ليس قطعا ألبقهم حديثا ولا أعلاهم صوتا؛ كما أنها ليست الفكرة الأكثر ابتكارا أو الأكثر إبهارا؛ وليست أيضا سلطة المدرس الحازمة أو الصفحة المطبوعة؛ وكذلك ليست قاعدة الأغلبية. إنما هو الفكر التجريبي، التجربة العقلانية هي التي ستجزم وتحسم الموقف وتساعد على الحصول على الحقيقة. 

لقد تعمدنا عدم التردد في استخدام كلمة حقيقة لكن مع الحرص على نقل صورة لها متواضعة وتعرف جيدا ما هي حدودها. يجب على مدرسة الديمقراطية أن تقوم بتنمية ملكة النقد إلا إنه لا يستغنى عن فكرة معينة عن الحقيقة. فالعلوم ليست فقط مسألة نقد حاسم وإجراءات وتقنيات: فآفاقها تمتد إلى بناء تصور موضوعى للعالم يتم الاتفاق علية عالميا.


قياس القدرة وحدودها
إجادة الفهم هو اكتشاف لقوة الملاحظة والتفسير ولكنه في الوقت نفسه قياس لحدودها؛ وإجادة السيطرة هو اكتشاف القدرة على التسمية والوصف والتفسير والتنبؤ في نفس الوقت مع اكتشاف حدود تلك القدرة. في حالة الرسم، يتم تحديد عناصر ذات معنى ولكن في نفس الوقت يتم بالضرورة إبعاد عناصر أخرى على أنها ليست أساسية. وتوضيح ظاهرة ما تعني بالضرورة ترك أخريات في الظلام. ما الذي سيتم التركيز عليه؟ ما هو الشيء المهم، والذي يدخل فعلا في الحسبان؟ ألا نستطيع تصوير الأشياء بطريقة مختلفة؟ ما الشيء المختلف الذي يجلبه الرسم والمستند المكتوب؟ إن الذي نريد أن نفهمه في لحظتنا هو هذه الظاهرة: ولذا فسوف نترك جانبا كل ما تبقى. 
ولكن يجب ألا ننسى أن النموذج التفسيري لا يقوم بتفسير إلا جزء صغير من الحقيقة، تلك التي قررنا عزلها: فعلينا ألا نجعل منها مدخلا عالميا ورؤية أحادية للعالم – فتلك الانحرافات هي التي تؤدى إلى المضللات الفكرية.

وقد اكتشفنا أننا نستطيع أن نكون على اتصال مباشر بالعالم من خلال بناء نماذج تفسيرية ولكننا اكتشفنا في الوقت نفسه أن هذه النماذج متعددة وقابلة للتعديل وغير كاملة وأن صلاحيتها جزئية كما أن حل تفسير تتولد منه أسئلة جديدة. 
يحث برنامج "اكتشف بنفسك " على تناول العلوم كعملية واختبار، تناول يجب "اختراعه" وليس كرؤية أو تصور قاطع لا يمكن المساس به "تم اكتشافه"، ونحن نراهن على أن تربية علمية من هذا الطراز ممكن لها أن تساهم في تفريخ نخبة من رجال العلم من خلال موازنتها لشكليات مبالغ فيها وتقييمها للصفات الواقعية وتعلمها مواجهة الواقع وبناء  الحقيقة في عمل جماعي. وفي الوقت نفسه سوف تساعد على تنشئة نخبة تتمتع بفكر واقعي وعقلاني متفتح للمعرفة والنقد يكونون مواطنين يصعب أن يسيطر عليهم بعض الاديولوجيات الساذجة

الأنشطة العلمية وإجادة اللغة المكتوبة
نحن نعرف كم ترتبط نهضة العلوم التجريبية بتقدم  ثقافة النص المكتوب التي تتيح تصور التجربة وتحرير تقرير عنها وفصل المهم عن غير المهم، وتعدي حالية مشاهدة معينة إلى عمومية الاختبار القابل للتكرار والإعادة؛ والتي تتيح توصيل المعلومة، والقيام بالعمليات الذهنية، وإعادة التجارب ومناقشة الافتراضات. ومن ثم فإن تدريس العلوم للأطفال هو أيضا إدخالها في تلك الممارسات اللغوية التي لا يمكن فصلها عن عملية التفكير. وهو كذلك تقديم حافز قوي للأطفال على إجادة اللغة شفهيا وتحريريا. ليس من أجل إرضاء المدرس أو للحصول على درجات مرتفعة ولكن لجعل فهمهم في إمكانية الآخرين وللمضي قدمًا في تحرياتهم وللتوصل إلى نتائج يستطيعون إذاعتها: فسوف يكون عليهم إيجاد الكلمة المناسبة وتكوين جمل حسنة البناء والإقناع من خلال براهين واضحة والتوضيح من خلال رسم جيد. سيرتبط حافز إجادة اللغة بأسباب جوهرية متعلقة بعملية القيام بالتحريات بدلا من اعتبار القواعد اللغوية قيودًا استبدادية قام المعلم بوضعها بهدف واحد هو مضايقة التلميذ. 
مستندان مكتوبة في جميع الصور
في برنامج "اكتشف بنفسك" حيث تتم المعالجة اليدوية لكثير من الأشياء يكون القلم أو لوحة مفاتيح الكتابة دائما في متناول يد الأطفال.

ويتم تداول كثير من المستندات المكتوبة. في البداية، هناك رسالة من المدرس إلى أولياء الأمور ليشرح لهم ما سوف يتم القيام به، ثم وبطريقة منتظمة، رسائل صغيرة يطلب منهم فيها لفت نظر الأطفال إلى أمر معين أو يطلب منهم الإتيان بشيء سوف يستعمل في التجربة. وفي الفصل هناك الأفيشات (الملصقات) التي يتم تحضيرها جماعيا والتي يسجل عليها عمل الفصل: فمن الممكن قراءة نقطة بداية العمل عليها وما سبب اندلاع عملية التحريات، بحيث تبقى دائما تحت نظر التلاميذ المسألة التي أطلقت عملية البحث. 
وتعتبر الأفيشات نتيجة العمل الجماعي المنجز. في حين يمكن الاحتفاظ بكراس للفصل يدون فيه ما يتم تنقيحه بعناية وإصلاحه– ولذا فلن تظهر فيه أية غلطات إملائية ولن تقبل فيه الرسومات إلا بعد عملية نقد واختيار وفقا لجودتها.

وهناك أيضا الرسائل الإلكترونية التي تتيح المناقشات عن بعد: تفسير ما تم القيام به، طرح مسألة، سرد تجربة خاصة، استطلاع رأي الآخرين، اقتراح حل.

ومن بين هذه المستندات الكتابية يصاحب كراس التجارب، حيث يقوم التلميذ وحده بالكتابة فيه، عمليةتطويره طوال العام الدراسي وطوال الفترة المدرسية.

كلمات الطفل
يعتبر كراس التجارب صورة من بين المستندات الكتابية الأخرى، من بين مستندات أخرى كثيرة تترك له كامل خصائصه . يقوم كل طفل بتحضير كراسه ولا يستخدم إلا في الأنشطة العلمية، يوما بعد يوم. ومحتويات هذا الكراس لا يقوم بكتابتها إلا الطفل نفسه وهو: ليس كراسًا لتدوين ملخص جماعي سواء كان مصدره المدرس أو "التجميع الجماعي" (أما في حالة وجوده وقد تم لزقه بداخل الكراس فلا يجب أن يظهر وكأنه النموذج المقابل للمسودة). من المهم أن يستعمل الطفل كلماته الخاصة: فتأتي المعرفة التي يكونها نتيجة فهمه لما يقوم بعمله.
والكراس هو المكان الذي يقوم فيه الطفل بعملية انتقال: من التجربة الحدسية اللحظية التي عاشها وينتقل إلى التدوين المكتوب المقدر له أن يستمر وأن يقرأ في وقت لاحق وفي ظروف مختلفة وربما من أشخاص آخرين. وبانتقاله إلى المستند المكتوب يقوم الطفل بتحديد وضعه بالنسبة للتجربة وبتغير مركز وجهة نظره وبإضفاء موضوعية على ما يقوم بتصويره وبإيجاد كلمات أفضل لكي يفهمه الآخرون. ولكن لكي يصبح فعلا هذا الكراس مستند مكتوب لتسجيل تجربته – يكون من المهم أن يقوم هو بنفسه بالكتابة العلمية مستخدما ألفاظه الخاصة بدلا من القيام بنقل ملخص جميل غاية في الكمال ولكن لا يتماشى مع ما يفهمه. 
الحديث من أجل التوصل لنتيجة، الكتابة من أجل التفكير
جرت العادة اعتبار المستند المكتوب وكأنه الخطوة الأخيرة في العملية والصورة ال

آخر تعديل : ٠١/١٢/٢٠٠٤
أدوات
© اكتشف بنفسك ٢٠٢٤